ذكر سبحانه في هاتين الآيتين بعض ما اجترحوه من السيئات، فقد أمرهم أن يدخلوا قرية من القرى خاشعين لله، فعصى بعضهم وخالف أمر ربه، فأنزل عليهم عذابا من السماء جزاء ما ارتكبوه من المعاصي واقترفوه من الآثام. وقد كان من دأب بني إسرائيل أن يعودوا باللوم على موسى إذا أصابهم الضيق، ويمنّون عليه بالخروج معه من مصر، ويصارحونه بالندم على ما فعلوا، فقد روى أنهم قالوا من لنا بحرّ الشمس؟ أي فأخذت الصاعقة من قال ذلك، والباقون ينظرون بأعينهم، وقد فصل ذلك في سورة الأعراف وفي التوراة: إن طائفة منهم قالوا لما ذا اختص موسى وهارون بكلام الله من دوننا، وشاع ذلك في بني إسرائيل وقالوا لموسى بعد موت هارون: إن نعمة الله على شعب إسرائيل لأجل إبراهيم وإسحاق فتعمّ الشعب جميعه، وأنت لست أفضل منه، فلا يحق لك أن تسودنا بلا مزية، وإنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذهم إلى خيمة العهد فانشقت الأرض وابتلعت طائفة منهم وجاءت نار من الجانب الآخر فأخذت الباقين. إلا أنه تعالى خلق الإنسان محدود الإدراك والحواس، لا يفهم إلا ما كان في متناول يده ويقع تحت إدراكه وحسه، فإن رأى شيئا فوق طاقته اجتهد في رده إلى ما يعرف، فإذا لم يستقم له ذلك وقف حائرا مدهوشا، ولا سيما إذا تكرر ذلك أمامه، فكان من لطف الله بعباده أن تظهر المعجزات على يد الأنبياء على طريق التدرّج حتى لا تصطدم بها عقول معاصريها دفعة واحدة. Th is content was gener ated by G SA Co nt ent Genera tor DEMO. قال ابن مالك: ولمقوى العطف أن يقول تخالف الصفة والموصوف كلا تخالف، لأن نفي الصفتين إثبات لضديهما، فإذا قلت: مررت برجل لا كريم ولا شجاع فكأنك قلت بخيل جبان، وليس كذلك تخالف المستثنى والمستثنى منه. وعند ذلك حمله أرطأة بن شرحبيل، فقتله علي بن أبي طالب، وقيل حمزة، فحمله شريح بن قارظ، فقتل أي ولم يعرف قاتله، ثم حمله أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف ابن هاشم بن عبد الدار، فقتله قزمان، فحمله ولد لشرحبيل بن هاشم، فقتله قزمان أيضا، ثم حمله صواب غلامهم: أي وكان حبشيا، فقاتل حتى قطعت يده ثم برك عليه فأخذه لصدره وعنقه حتى قتل عليه: أي قتله قزمان. أي فخالفوا الأمر ولم يتبعوه، وجعل المخالفة تبديلا إشارة إلى أن الذي يؤمر بالشيء فيخالفه كأنه أنكر أنه أمر به وادعى أنه أمر بغيره، وليس المراد أنهم أمروا بحركة يأتونها وكلمة يقولونها على سبيل التعبد، وجعل ذلك سببا لغفران الذنوب عنهم، فقالوا غيرها وخالفوا الأمر وكانوا من الفاسقين، فما أسهل الكلام على الناس يحركون به ألسنتهم، وإنما يعصى العاصي ربه إذا كلّف ما يثقل عليه، وحمّل غير ما اعتاد، لما في ذلك من ترك النفس ما ألفت، واستيحاشها من غير ما عرفت. أي ثم محونا تلك الجريمة بقبول التوبة ولم نعاجلكم بالإهلاك، بل أمهلناكم حتى جاءكم موسى وأخبركم بكفارة ذنوبكم، ليعدّكم بهذا العفو للاستمرار على الشكر، فإن الإنعام يوجب الشكر على النعم. بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السالفة أنواعا من النعم التي آتاها بني إسرائيل، كلها مصدر فخار لهم، ولها تهتز أعطافهم خيلاء وكبرا، لما فيها من الشهادة بعناية الله بهم، فبيّن في أولاها كبرى سيئاتهم التي بها كفروا أنعم ربهم وهي اتخاذهم العجل إلها، ثم ختمها بذكر العفو عنهم، ثم قفى على ذلك بذكر سيئة أخرى لهم ابتدعوها تعنتا وتجبرا وطغيانا، وهي طلبهم من موسى أن يريهم الله عيانا حتى يؤمنوا به، فأخذتهم الصاعقة وهم يرون ذلك رأي العين، ثم أردف ذلك ذكر نعمتين أخريين كفروا بهما. وقد كان فرق البحر من معجزات موسى عليه السلام كمعجزات سائر الأنبياء التي يظهرها الله تعالى على أيديهم لترشد الناس إلى أن السنن والنواميس الكونية لا تحكم على واضعها ومدبرها، بل هو الحاكم المتصرف فيها، وهي أيضا سنة أخرى في الكون يخلقها الله متى شاء على يد من يصطفيه من عباده. حكى القرآن في معجزات عيسى عليه السلام قوله: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ). وجاء في الصحيح «من فوق سبع سموات» والمراد أن شأن هذا الحكم العلوّ والرفعة «قد طرقني بذلك الملك سحرا». ففي الطبراني عن أسلع، قال: «كنت أخدم رسول الله ﷺ وأرحل له ناقته، فقال لي ذات يوم: يا أسلع قوم فارحل، فقلت: يا رسول الله أصابتني جنابة أي ولا ماء، فسكت رسول الله، فأتاه جبريل بآية الصعيد: أي التراب، فقال رسول الله ﷺ: قم يا أسلع فتيمم، فأراني التيمم: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فقمت فتيممت، ثم رحلت له حتى مر بماء، فقال: يا أسلع أمسّ هذا جلدك». ذاك أنهم حين خرجوا من مصر وجاوزوا البحر، وقعوا في صحراء فأصابهم حر شديد، فشكوا إلى موسى فأرسل الله إليهم الغمام يظللهم حتى دخلوا أرض الميعاد. وفي كلام المقريزي: لما ذكر رتب الرياسة في الجاهلية ذكر أن العقاب كان في الجاهلية راية تكون لرئيس الحرب وجاء الإسلام وهي عند أبي سفيان، وجاء الإسلام والسدانة واللواء عند عثمان بن أبي طلحة من بني عبد الدار. ففي كلام بعضهم: كان موت أسعد بن زرارة بمرض يقال له الذبحة فكواه النبي ﷺ بيده وقال: بئس الميتة لليهود؛ يقولون أفلا دفع عن صاحبه وما أملك له ولا لنفسي شيئا. فعنها أنها قالت «قام رسول الله ﷺ من الليل إلى فخارة أي تحت سريره فبال فيها فقمت وأنا عطشى فشربت ما في الفخارة وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي ﷺ قال: يا أم أيمن قومي إلى تلك الفخارة فأهريقي ما فيها، فقالت: والله لقد شربت ما فيها، فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: لا يجفر» بالجيم والفاء «بطنك بعده أبدا» وفي لفظ «لاتلج النار بطنك» وفي أخرى «لا تشتكي بطنك» أي ويجوز أنه قال: هذه الألفاظ الثلاثة وكل روى بحسب ما سمع منها، فتكون هذه الأمور الثلاثة تحصل لأم أيمن وفي رواية بدل فخارة «إناء من عيدان» بالفتح: الطوال من النخل، فإن صحا حملا على التعدد لأم أيمن ، ولا مانع منه.